ظاهرة تسرب الطلاب من المدارس  وآثارها السلبية

ظاهرة تسرب الطلاب من المدارس وآثارها السلبية

ورقة بحثية
أعدها د. محمد عيسى إبراهيم قنديل

 فبراير 2007

  تعريف بظاهرة التسرب وآثارها السلبية:

التسرب هو إهدار تربوي هائل، وضياع لثروات المجتمع المادية والمعنوية، وتخلف ثقافي لدى شريحة من المجتمع، قد تقل وقد تتسع وفقاً لطبيعة ومكونات المجتمع الثقافية.

أما تأثيره السلبي، فهو يصيب جميع نواحي المجتمع وبنائه، إذ يزيد من حجم الأمية والبطالة، ويضعف البنية الاقتصادية الإنتاجية للمجتمع والفرد، ويزيد من الاتكالية والاعتماد على الغير في توفير الاحتياجات. ويزيد من حجم المشكلات الاجتماعية من انحراف الأحداث والجنوح، كالسرقة، والاعتداء على الآخرين وممتلكاتهم، مما يضعف خارطة المجتمع ويفسدها. والتسرب يؤدي إلى تحول اهتمام المجتمع من البناء والإعمار والتطور والازدهار، إلى الاهتمام بمراكز الإصلاح والعلاج والإرشاد، والى زيادة عدد السجون والمستشفيات ونفقاتها ونفقات العناية الصحية العلاجية. كما يؤدي تفاقم التسرب إلى استمرار الجهل والتخلف، وبالتالي سيطرة العادات والتقاليد البالية، التي تحد وتعيق تطور المجتمع مثل: الزواج المبكر، والسيطرة الأبوية المطلقة، وبالتالي حرمان المجتمع من ممارسة الديمقراطية، وحرمان أفراده من حقوقهم، ويتحول المجتمع إلى مجتمع مقهور، مسيطر عليه، لأنه لا يمكن أن يكون المجتمع سيداً وحراً وفي الوقت نفسه جاهلاً تسوده العنصرية والتحيز والانغلاق والتعصب.

ولما كان وجود القوى البشرية المؤهلة شرطا ضروريا لتطور أي مجتمع وتقدمه، فإن التسرب هو أحد العوامل المعيقة لتأهيل الثروة البشرية الكافية، وهو ظاهرة مرضية في ميدان التربية، لها آثارها الخطيرة في تخفيض مردود العمل التربوي.

ولا بد من التنويه هنا أن التسرب من المدارس ظاهرة عالمية معروفة، ففي إيطاليا  أوردت وكالة الأنباء الليبية أنه تم الكشف عن تقرير لوزارة التعليم الإيطالية عن تفاقم ظاهرة التسرب بين الطلبة من التعليم، وعزا التقرير أسباب ظاهرة انقطاع الطلبة عن الدراسة إلى عجز التعليم الإيطالى فى جذب اهتمام الطلبة وإتمام دراستهم حتى المراحل الجامعية . وقال التقرير إن حوالي مليون طالب يتركون المدارس سنويا، وأن أغلبية هؤلاء الطلبة ينتهي به الأمر إلى الانضمام إلى طوابير العاطلين عن العمل خاصة في مناطق الجنوب الإيطالي(1).

وفي أستراليا، نشرت جريدة الزمان اللندنية أن الحكومة الاسترالية في (نيوساوث ويلز) قررت في شهر يوليو 2002 إغلاق المدارس التعليمية لعدم توفر التلاميذ. فقد لاحظت الحكومة أن هناك انخفاضاً شديداً وملحوظاً بين التلاميذ وقد جاءت هذه الملاحظة في التقرير الذي أعدته الجامعات الاسترالية في سيدني، ولذلك ارتأت الحكومة إغلاق جميع المدارس والإبقاء علي سبعة منها فقط، حيث يعتقد أن هذه السبع مدارس كافية لاستيعاب العدد المتبقي من الطلاب. حيث أكدت تقارير الشرطة أن هناك تسرباً هائلاً من قبل تلاميذ المدارس نحو الشوارع ومحطات القطارات. ومحلات الانترنت مما دعاها للتدخل وملاحقة المتسربين منهم. وأكد تقرير الجامعات أن موضوع تسرب التلاميذ وعدم تواصلهم في الدراسة أمر مروع ومخيف وخاصة لدى بعض المدارس القديمة(2).

وفي إسرائيل صدر تقرير بعنوان”خطة دوفرت الكاملة”، ينادي بمحاربة ظاهرة تسرب الطلاب من المدارس، ويشير إلى أن نسبة التسرب بين الطلاب البدو في النقب قبل وصلهم إلى الصف الثاني عشر تصل إلى 60 %، بزيادة سنوية مذهلة تصل إلى 5.5 % سنوياً(3).

أهداف الدراسة:

تسعى هذه الورقة البحثية لتسليط الضوء على ظاهرة سلبية في الميدان التربوي  في دولة الإمارات العربية المتحدة: تعريفها، وأسبابها، وآثارها، وتحليلها بناء على الاحصائيات السنوية التي تقوم بها وزارة التربية، وترصدها في نشراتها الإحصائية المختلفة، وسنحاول أن نستشرف بعض الحلول المقترحة للحد منها، وذلك من خلال السعي إلى تحقيق الأهداف التالية:

  1. التعرف على الأسباب والعوامل الحقيقية التي تقف وراء تسرب الطلبة من المدارس.
  2. بحث فعالية بعض الإجراءات العلاجية التي تساعد على عودة المتسربين إلى مقاعد الدراسة.
  3. اقتراح فرص تأهيل وإعادة تأهيل للطلبة الذين لا يرغبون في العودة إلى الدراسة.
  4. بناء قاعدة معلوماتية شاملة وعميقة عن واقع ظاهرة التسرب وأسبابها.
  5. بناء أدوات متابعة لرصد ظاهرة التسرب من قبل الميدان التربوي.

أشكال التسرب:

يأخذ التسرب الدراسي أشكالا متعددة منها التسرب الفكري “الشرود الذهني” من جو الحصة، أو التأخر الصباحي عن المدرسة، أو الغياب الجزئي أو الكلي عن المادة الدراسية، أو الانقطاع المؤقت عن المدرسة، أو الانقطاع الكلي عنها، وقد ترافق أشكال معينة بعضها البعض لتشكل لدى الطالب أو الطالبة ظاهرة تستحق الدرس والمتابعة.

أسباب انتشار ظاهرة التسرب:

تتفاوت حدة أسباب التسرب من بيئة إلى بيئة، من حيث درجة تأثيرها على الطالب المتسرب، فمنها ما تكون أسباب رئيسية، لها تأثير قوي ومباشر، وتلعب دورا حاسما في عملية التسرب، وبعضها الآخر يكون  تأثيره ثانوياَ ومؤثراً، وأسباب أخرى ليس لها أي تأثير يذكر. ومن جهة أخرى تلعب الأسر أو أولياء أمور الطلبة المتسربين – في بعض الأحيان – دورا رئيسيا ومباشرا، في دفع أبنائهم إلى التسرب من مدارسهم؛ عن طريق إجبارهم على التسرب والخروج إلى سوق العمل، أو على الزواج المبكر، أو المشاكل الأسرية. وفي أحيان أخرى يكون لهم تأثير غير مباشر عبر عدم الاهتمام واللامبالاة والقلق الزائد على أبنائهم.. وغيرها.

ويبقى أن نلاحظ قبل الإشارة إلى أسباب التسرب أنه لا بد من القول: إنه من المستحيل لأي نظام تربوي أن يتخلص نهائياً من ظاهرة التسرب في مدارسه، مهما كانت فعاليته أو تطوره. ولكن الجهود المخلصة بتضافر جميع فعاليات المجتمع الحكومي والمدني والأسرة، يمكن أن تحد منها، والمتعمق في هذه الظاهرة في الواقع التربوي الإماراتي يلاحظ أنها منتشرة في كافة المراحل التعليمية وبصورة متفاوتة، وفي كافة المدارس بغض النظر عن نوعها، وفي كافة المناطق التعليمية، وبين كافة أوساط الطلبة من ذكور وإناث، وبين أوساط كافة الطبقات الاجتماعية والاقتصادية.

ظاهرة التسرب في بعض الدول العربية:

أ ـ الأردن:

على الرغم من أن الأردن يحتل المرتبة الأولى عربياً من بين 15 دولة عربية مشاركة في التقرير السنوي العالمي لقياس تقدم الدول باتجاه تحقيق أهداف التعليم للجميع، وأنها تحتل المرتبة الخامسة والأربعين عالميا بين 121 دولة(4)، وأنه حقق معدلاً مرتفعاً (95 %) في التحاق الطلبة بالصفوف الأربع الأولى، إلا أنه يواجه مشكلة صعبة في موضوع التسرب من المدارس، إذ لم يتم وضع دراسة خاصة بها في المدارس الأردنية، ولكن عدداً من الفعاليات أشارت بوضوح إلى وجود هذه الظاهرة في الأردن، فقد نشر موقع (عمان نت) مقالاً طويلاً عن ظاهرة عمل الأطفال في الأردن، حيث أشار أن هناك ما يزيد عن 48 طفلاً وطفلة يتواجدون في سوق العمل، وتقول السيدة نهاية دبدوب: إنه إذ استمرت الظروف التي تدفع نحو عمالة الأطفال فإن العدد سيزداد إلى 53 ألف طفل، تعمل الإناث منهم في مشاغل الخياطة والأعمال المنزلية، وقد أشارت السيدة دبدوب إلى أن من أسباب هذه الظاهرة، ظاهرة تسرب الأطفال من المدارس إلى سوق العمل انتهاج بعض المعلمين والمعلمات أساليب غير تربوية في التعامل مع الأطفال، كالضرب والعقاب المهين أما زملائهم، رغم المنع الرسمي لهذا من وزارة التربية والتعليم، كما يتحمل الجو السيء للأسرة (بلغت نسبة الأسر المتدنية الدخل في الأردن 20 %) جانباً من هذه الأسباب، فأكثر المدارس التي تسجل نسباً عالية في التسرب تقع في الأماكن الفقيرة، وهي أماكن لا تتوفر فيها الشروط الدنيا لمتابعة الطالب، ومن أسباب هذه الظاهرة كذلك الفقر المدقع لبعض الأسر، والرسوب المتكرر، وعدم متابعة الأسر لأبنائها في المدارس، والتفكك الأسري. وشعور بعض الطلاب بعدم جدوى البقاء في المدرسة.

ويشير تقرير حقوق الإنسان الأردني إلى أن نسبة 20 % من الطلبة من ذوي الأسر المتدنية الدخل قد تسربت من المدارس عند بلوغهم الصف العاشر، ويبقى أقل من نصفهم على مقاعد الدراسة، أو يكملون تعليمهم الثانوي عند بلوغهم سن الثامنة عشرة(5). ويشير تقرير آخر إلى أن نسبة التسرب لدى الطالبات في المرحلة الثانوية عموماً تصل إلى 8 % في الصف العاشر، و34.2 % في الصف الثاني عشر، ويبلغ متوسط نسبة التسرب في هذه المرحلة لدى الطالبات 19.2 %(6)، إلا أن النسبة العامة للتسرب في المدارس الأردنية بلغت 4 في الألف.

وقد أنشئت في الأردن مؤسسات أهلية تعمل إلى جانب المؤسسات الحكومية على الحد من هذه الظاهرة، منها “مؤسسة نهر الأردن”، التي أنشئت عام 1997، وقامت بإنجاز “الحملة الوطنية لتوعية أجيالنا”(7). على أن الطريقة المتبعة في علاج ظاهرة تسرب الطلاب تتم من خلال المدرسة ومديرية التربية والتعليم، وذلك بمخاطبة الحاكم الإداري لإلزام الطالب المتسرب بالعودة إلى المدرسة(8).

  ب ـ فلسطين
بينت دراسة قيمة أجرتها وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) أربعة مجموعات من الأسباب للتسرب:

  1. أسباب تعود للطالب المتسرب نفسه: كتدني التحصيل الدراسي، وصعوبات التعلم، وعدم الاهتمام بالدراسة وانخفاض قيمة التعليم، والزواج المبكر والخطوبة، والخروج إلى سوق العمل.
  2. أسباب تعود للأسرة في تسرب أبنائها: كسوء الوضع الاقتصادي للأسرة، والعناية بأفراد الأسرة والمساعدة في أعمال المنزل، وإجبار الأسرة للطالب أو الطالبة على ترك الدراسة، وعدم وجود شخص يساعد الطالب والطالبة على الدراسة داخل الأسرة، وعدم اهتمام الأسرة بالتعليم.
  3. أسباب تعود للمدرسة: كالنفور من المدرسة، واستخدام العقاب المعنوي والبدني من قبل المعلمين بحق الطلبة، والتمييز بين الطلبة، وقد يكون هذا التمييز على أساس المستوى التحصيلي، أو العشائري، أو الاقتصادي، أو الجنس، أو الأنشطة المدرسية. ومن ذلك عدم وجود مدرسة مهنية قريبة من السكن، فالطلبة الذين لديهم صعوبات في التعلم قد يلجؤون إلى المدارس المهنية في حال قربها من مساكنهم، لكن بعد هذا النوع من المدارس يجبر مثل هؤلاء الطلبة على الالتحاق بالمدارس الأكاديمية، ويصبحون فيما بعد مادة من مواد التسرب. ومن هذه أيضاً، عدم وجود شخص أو مرشد في المدرسة يساعد الطالب على مواجهة المشاكل.
  4. القناعات الأسرية بأن المدرسة لها علاقة بتسرب أبنائها: كأن تعتقد بأن هناك تمييز في المدرسة بين الطلبة حسب وضع أسرهم المادي، أو أن طلبات المدرسة من الأسرة مرهقة ماديا، وأنها غير قادرة على الإيفاء بها. وعدم قيام الأسرة بزيارات دورية للمدرسة. للاطلاع على أوضاع أبنائها الدراسية وغير الدراسية.

وبما أن للبيئة الفلسطينية خصوصية معينة في الظروف التي تمر فيها البلاد، فإن ورشة عمل أقامتها جامعة بير زيت بعنوان “التسرب من المدارس وتبعاته على المجتمع والفرد”(9)، خلصت إلى أنه ليس هناك رقابة تضمن التحاق جميع الطلبة في سن التعليم دون استثناء، وعدم تقديم مساعدات للمتسربين، كما أنه مما يساعد على تفشي الظاهرة هناك تدني نوعية التعليم والترفيع التلقائي وعدم رغبة الطلبة في الدراسة ونفورهم منه، وأوصت الورشة بإصدار قانون تعليم عصري للتربية والتعليم، ومطالبة المجتمع الدولي بمؤازرة الطلبة المتسربين بتشجيع العمل الطوعي، وسن قانون يعمل على حماية الأطفال، ومكافأة المعلم المتميز.

ج ـ سوريا:

 أشارت جريدة “الثورية” السورية (الأربعاء 23/2/2005)(10) في دراسة لها إلى أن ظاهرة التسرب في مدارس محافظة درعا بسوريا، بدأت تبرز بمدارس التعليم الأساسي، حيث يغادر الطالب المدرسة إلى غير رجعة، قبل إتمام مرحلة التعليم ما قبل التعليم الثانوي، وعللت الدراسة ذلك بعدة أسباب، منها: عدم وجود رادع قانوني لأولياء الطلاب المتسربين، وافتقاد بعض المناطق في المحافظة إلى عدم وجود صفوف معينة، حيث يتعين على الطالب أن يذهب إلى منطقة أخرى، وفي ذلك من العناء ما يشجع الطالب على الانقطاع عن الدراسة. ومنها كذلك الوضع الاقتصادي المتردي لبعض الأسر، وهو ما يبرر حاجتها إلى الاستعانة بأبنائها لكسب قوتها، ورابع هذه الأسباب تفكك الأسرة وغياب رقابة الأهل ومتابعتهم لأبنائهم وإهمالهم لهم.

وقد حاول المسؤولون في الميدان التربوي التقليل من خطر هذه الظاهرة بعقد العديد من الندوات في مدن وقرى المحافظة، واستدعاء أولياء أمور المتسربين ومحاولة إقناعهم بإعادة أبنائهم إلى المدارس، وتطبيق العقوبات الواردة في قانون رقم (35) لعام 1981، وقرارات أخرى بحق ولي الأمر الذي يمتنع عن إرسال ابنه إلى المدرسة، ومن مظاهر تطبيق هذا القانون رفع الدعاوى على أولياء الأمور الممتنعين لدى محاكم الجزاء في المحافظة، حيث بلغ عددها 295 دعوى. وقد أدت هذه الإجراءات إلى تراجع عدد الطلاب المتسربين من 2109 طلاب عام 1982 إلى 600 طالب عام 2005.

د ـ اليمن:

   أجرى مركز دالي للتطوير في صنعاء دراسة ميدانية في مدارس محافظة صنعاء، حول ظاهرة تسرب الفتيات من التعليم الأساسي، تبين له من خلالها أن 5803 طالبات ينقطعن سنوياً عن الدراسة، كما أشارت إلى أن أهم أساب التسرب، تكمن في تكاليف ورسوم التعليم الباهظة، وأسعار المستلزمات المدرسية، والفقر، وما يرتبط به من أمراض، والخلافات الأسرية، والأمية،  والزواج المبكر، وحرمان الكثيرين في اليمن من حقهم الدستوري في التعليم المجاني، والرسوب المتكرر.

وأشارت الدراسة إلى أن القضاء على هذه الظاهرة في اليمن يمكن أن يحدث إذا تم إلغاء الرسوم والتكاليف الباهظة، ووضعت تسعيرة موحدة لأسعار المستلزمات المدرسية، واهتمام الأخصائيات الاجتماعية بحل مشاكل الطالبات، وتنفيذ برامج توعية في المجتمع عبر وسائل الإعلام المختلفة، وتطوير الإدارة المدرسية، والتعاون بين المؤسسات الإعلامية والتربوية(11).

هـ ـ مصر:

تعترف وزارة التربية والتعليم في مصر بوجود ظاهرة تسرب الطلاب من التعليم، وتدعو للوقوف في وجهها، حيث تعتبرها أحد الوجوه السافرة للهدر التربوي، وباباً خلفياً لمشكلة محو الأمية. حيث بلغت نسبة التسرب عند البنين 2.9 %، وعند البنات 6.5 %، وذلك في المرحلة الابتدائية سنتي 19991 و19992. وأهم أسباب هذه الظاهرة في مصر: ضعف التحصيل الدراسي الذي يؤدي إلى الفشل، وعدم رغبة الطالب في دراسة نوعية معينة من العلوم، والضغط عليه من قبل والديه لدراستها، ووجود عوامل جذب كثيرة خارج المدرسة، وفقدان الدافع الشخصي للدراسة، وصعوبة المواد الدراسية، وطريقة التعامل الخاطئة من قبل أولياء الأمور والمدرسين. ومن أسبابها الاجتماعية: الخلافات المستمرة بين الوالدين، والتفريق بين الأبناء في المعاملة، وانخفاض مستوى المعيشة ودخل الأسرة.

وقد وضعت الوزارة عدداً من الطرق للتغلب على هذه الظاهرة، منها: مساعدة الطالب على تنمية ذكائه وقدراته، والمحافظة على صحته من الأمراض، وعدم الضغط على الطالب من قبل والديه لدراسة علوم معينة، وبث روح الدافع الشخصي لدى الأبناء، وإيجاد المناخ الأسري المناسب للطالب، وعدم توجيه الطلاب للعمل، وتلبية رغبات الأبناء الحياتية والمعيشية.

ويؤكد التقرير في النهاية أن نسبة التسرب في التعليم الابتدائي قد انخفضت بين البنين والبنات عام 2004/2005، حيث وصلت إلى 0.41 % في مدارس البنات، و0.56 في مدارس البنين. أما في التعليم الإعدادي فقد انخفضت نسبة التسرب من 9.91 % لدى البنات عامي 1991 و1992 إلى 2.79 % عام

2005 ، ومن 11.45 % إلى 3.04 % لدى البنين في الأعوام نفسها(12).     

و ـ السعودية:

تبنى عدد من المؤسسات المتخصصة في مجالات البرمجة وضح حلول لتطوير قدرة وزارة التربية على وضع حلول للقضاء على ظاهرة التسرب من المدارس، وأرجعت الدراسات المتعددة أسباب التسرب إلى عدة محاور، الأول: أسباب صحية، والثاني أسباب نفسية، والثالث: وجود اتجاهات سلبية لدى الطالب نحو التدريس، والرابع: ضعف التعليم الأكاديمي للطالب والمعلم على حد سواء.

ونبهت الدراسة إلى أن هذه الظاهرة تتمثل في أمر خطير هو تحول المتسربين إلى فئة قد لا تجد لنفسها موقعاً صحيحاً في المجتمع، كما أن المجتمع يعاني من هذه الفئة في المجالات الأمنية والصحية والإنتاجية، مما يجعلها عالة على المجتمع، كما أن المتسرب يتحول إلى مواطن أمي، مما يجعله غير قادر على كسب معيشته في مستوى مقبول.

وتطرح هذه الدراسة عدداً من الحلول لتحجيم هذه الظاهرة، منها: إصدار تشريعات تحد من استخدام الأطفال تحت سن الرشد، وإصدار تشريعات تلزم أولياء الأمور بإرسال أبنائهم إلى المدارس عندما يصلون إلى سن التعليم. واستخدام طرق التدريس العلاجي، وتقديم إرشاد أسري للمجتمع حول الشدة والقسوة والدلال في معاملة الأبناء، ويتعين أن يقدم هذا الإرشاد حلولاً لمشاكل الخلاف الأسري. وفي الجانب المدرسي يتعين معالجة الجفاف في المقررات، وسوء معاملة المعلمين للطلاب،

ح ـ أرتيريا:

   نشرت صحيفة “أرتيريا الحديثة” بتاريخ 3 أكتوبر 2006 تقريراً حكومياً، يشير إلى أن معدل تسرب الطلاب في إقليم القاش بركة، بلغ 30 % خلال العام الدراسي 2005، من العدد الكلي البالغ 105 آلاف طالب وطالبة، وجعل من أسباب ذلك: صعوبة الحياة المعيشية، وبعد المدارس عن مقر سكنى الطلاب، وقلة الوعي بأهمية التعليم(13).

ط ـ الإمارات العربية المتحدة:

عثرنا على ثلاث دراسات تناولت ظاهرة التسرب في مدارس الدولة، وسنقوم باستعراضها بشيء من التفصيل، وذلك لعلاقتها المباشرة بورقتنا البحثية:

 أ ـ دراسة مركز الخليج للدراسات حول ظاهرة التسرب:

في دراسة أعدها مركز الخليج للدراسات في دبي، بعنوان: “الأنشطة الطلابية مساق غائب في

الميدان التربوي… ضرورة تعليمية يفتقدها التلاميذ.. المدارس بيئة طاردة للطلاب في ظل غياب الأنشطة”، ونشرتها صحيفة الخليج اليومية الصادرة في دبي في أربع حلقات، يركز محمد رضا السيد في الحلقة الأولى من الدراسة على أن غياب الأنشطة المدرسية يشكل أكبر سبب من أسباب تسرب الطلاب في مدارس الدولة، فتقول: يربط التربويون بين انتشار بعض الظواهر السلبية في المدارس إلى غياب الأنشطة أو تجميدها. وأرجع معظم العاملين في الحقل التربوي وكذلك الطلاب ازدياد العنف وانتشار ظاهرة التسرب من التعليم، إلى أن المدرسة تحولت إلى بيئة طاردة للطلاب بعدما غابت عنها الأنشطة الطلابية التي كانت تتضمن مجالات عدة تتنوع بين الثقافة والفنون الرياضية، الأمر الذي يستوجب إعادة تلك الأنشطة إلى المدارس مرة أخرى، إذا أردنا وضع اللبنة الأولى في صرح بناء شخصية الطالب.

ويشير مركز الخليج للدراسات إلى أن هناك دراسة أعدها المجلس العربي للطفولة دعا فيها إلى الاهتمام بالموسيقا والألعاب وتعليمها الأطفال، كونها تسهم في تنمية شخصياتهم وتعزز الجوانب الاجتماعية لديهم، وأن لها قدرة على التأثير في أدق انفعالات الإنسان، والتعبير عن أحاسيسه وعواطفه، ومن الناحية العقلية، فإن دور النشاط المدرسي لا سيما الموسيقا والتربية الفنية والبدنية، تنمي طبقا للدراسة الإدراك الحسي، والقدرة على الملاحظة، والتنظيم المنطقي، وتنمية الذاكرة السمعية، والقدرة في الابتكار، ومساهمتها في تسهيل التعلم، وتلقي المواد الدراسية، بعكس ما يعتقده البعض… وغياب الأنشطة وتقليص دورها له آثاره السلبية في النواحي الاجتماعية، وتشير الدراسة إلى أن غياب الأنشطة يؤدي إلى زعزعة الثقة بالنفس، والخجل من التعبير عن المشاعر، وأن تنمية العلاقات بالأصدقاء والأقران من أهم المؤثرات الاجتماعية التي يمكن أن تربط الطالب بالمدرسة..

وقد أشارت إحدى مدرسات مدرسة سارة للبنات في دبي إلى أنه يوجد فرق شاسع بين الطلاب الذين يمارسون الأنشطة وغيرهم ممن لا يهتمون بها، وأنها لمست هذا الفرق في المراحل الدراسية من الصف السادس إلى الثاني عشر حيث تغيب مادة التربية الموسيقية عن الطلاب.

أما في الحلقة الثانية من الدراسة المشار إليها، وتحت عنوان: ” الأنشطة الطلابية مساق غائب في الميدان التربوي … التسرب من التعليم نتيجة مأساوية متوقعة”، فتقول نوف نور: “أكدت جميع الدراسات أن المدارس الأكثر جذباً للطلاب، تلك التي تتوافر فيها الأنشطة الطلابية، ومن دون هذه الأنشطة تتحول المدرسة إلى بيئة طاردة، يشعر الطلاب بسعادة في الفرار منها، لذا أوضح الخبراء أن العلاج الأفضل لظاهرة التسرب في التعليم يكمن في تفعيل الأنشطة، وتنظيمها، والاهتمام بها، بوصفها الفعل الذي يحبه الطلاب ويقدمون عليه.

ويشير بعض المعلمين إلى أنهم لا يشكون من عدم وجود الأنشطة المدرسية، وإنما تكون الشكوى من عدم وجود وقت كافٍ لممارستها، فالوقت المخصص لحصص الرياضة مثلاً (45 دقيقة) لا يتناسب نهائياً مع طبيعة النشاط الرياضي، كما تكمن المشكلة في عدد كبير من أولياء المدرسة، ويقول أحد المدرسين: “إننا نصدم عندما يثور الأهل علينا من ممارسة أبنائهم للأنشطة، ومطالبتهم بالاستعاضة عن تلك الأنشطة بالمواد الدراسية، في إهمال شديد وواضح لأهمية هذه الأنشطة وتأثيرها في الطلبة”.

ويمكن أن نرصد من مجمل هذه الدراسة أن اهتمام الطالب بالمدرسة لا يمكن أن يتحقق إلا بعد أن يتحقق تطوير المناهج، والاهتمام بالأنشطة، كالرياضة والسباحة أو النشاطات المسرحية التي تجعل الطالب سعيداً، وتجذبه للدراسة، وتساعده على تنمية جسده وذهنه، وتوسع مداركه الشخصية على الدراسة، فيهتم بالأنشطة الأخرى، وبعض المدارس تلغي الأنشطة الترفيهية، وتهمل احتياجات الدراسة والوسائل التي تحفز الطالب على حب الدراسة.

على أن هذه الدراسة قد تناولت ظاهرة التسرب من جانب واحد، هو جانب المدرسة والميدان التربوي، ذلك لأن البحث يدور حول أهمية الأنشطة المدرسية في حياة الطالب الدراسية.

ب ـ دراسة مقدمة إلى لجنة جائزة حمدان بن راشد آل مكتوم، أعدتها الباحثة سها مكين، بعنوان: “أثر برنامج إرشادي في الحد من ظاهرة هروب طلاب المرحلة الثانوية من المدرسة”:

وقد اقتصرت هذه الدراسة على 144 طالباً، يدرسون في تسع مدارس ثانوية بإمارة أبو ظبي، خمس حكومية، وأربع خاصة، تحدثت الدراسة عن العوامل التي تلعب دوراً هاماً في عملية التسرب، وقد جعلتها الباحثة تدور حول أربعة محاور:

  • عوامل ذاتية: مثل شخصية الطالب وتركيبته النفسية التي تجعله لا يحتمل العمل المدرسي، والإعاقات والعاهات الصحية والنفسية التي تلازم الطالب، بحيث تمنعه من مسايرة زملائه، فتجعله موضعاً لسخريتهم، فتصبح المدرسة بالنسبة إليه شيئاً غير سار، وعدم قدرة الطالب على تنظيم وقته وجهله بأفضل طرق الاستذكار، والرغبة في تأكيد استقلاليته وإثبات الذات، وضعف دافعية التعلم عند الطالب.
  • عوامل أسرية: كاضطراب العلاقات الأسرية، وضعف عوامل الضبط والرقابة، بسبب ثقة الأبوين المفرطة في الأبناء، وسوء المعاملة الأسرية المتأرجحة بين التدليل والقسوة، وعدم قدرة الأسرة على الوفاء بمتطلبات الأبناء واحتياجاتهم المدرسية، وتدخل الأسرة في رغبات الطالب التخصصية،
  • عوامل مدرسية: مثل عدم سلامة النظام المدرسي، وسيطرة بعض أنواع العقاب بشكل عشوائي على المدرسين، وعدم الإحساس بالحب والتقدير من قبل عناصر المجتمع المدرسي، وكثرة الأعباء والواجبات التي تعطى للطالب، وعدم تقبل الطالب للتعرف على مشكلاته، وعدم كفاءة المعلم، أو معاناته من ظروف تنعكس على أدائه التربوي.
  • عوامل أخرى: مثل رفاق السوء وما يقدمونه من إغراء لبعضهم البعض، وعوامل الجذب الخارجية كالأسواق العامة والمجمعات التجارية، وشواطئ البحر ومقاهي الإنترنيت، وقلة تواصل إدارة المدرسة مع البيت، بحيث يتغيب الطالب عن الدراسة دون علم أهله.

ووضعت الباحثة في نهاية بحثها عدة توصيات للقضاء على هذه الظاهرة، منها العمل على تأمين منح وحوافز مادية ومعنوية للطالب الذي يثبت التزامه بالمدرسة. وتدريب المعلمين والأخصائيين الاجتماعيين وتأهيلهم باستمرار، وتنويع أساليب التدريس وتطويرها لتلائم مستوى الطلاب المختلفة، وربط المناهج ببيئة الطالب لتصبح جاذبة له. وتوعية أولياء الأمور بخطورة الخلافات الأسرية، وخلق قنوات اتصال دائمة، الاستفادة من خطب الجمعة في التوعية بخطورة الظاهرة، وتسخير الشخصيات المؤثرة والمحببة في المجتمع لعقد ندوات ولقاءات حول هذه الظاهرة، وإشراك المجتمع في عقد دورات ولقاءات لحث الطلاب على العلم والانضباط في مدارسهم، وإعداد دراسات مسحية لمشكلات الفاقد التربوي والمشكلات السلوكية الشائعة، بهدف دراستها ووضع الحلول المناسبة لها.

ج ـ دراسة مقدمة إلى جائزة العويس للدراسات والابتكار العلمي، أعدتها أمينة هاشم السراج، بعنوان: “التسرب الدراسي بين تلاميذ المدارس”، وقد تم طبعها في كتاب سنة 2002 ضمن الأبحاث الأخرى المقدمة لهذه الجائزة.

وقد اعتمدت هذه الدراسة على إحصائيات وزارة التربية والتعليم والمناطق التعليمية المختلفة في الدولة، والخاصة بأعداد التلاميذ المسجلين في كل سنة، واعتمدت على الفارق بين أعداد المسجلين بين سنة وأخرى، مما يجعل الدراسة غير دقيقة في نتائجها وتوصياتها، فقد يكون الفارق في عدد الطلاب بين سنة وأخرى تحكمه عوامل لا علاقة لها بالتسرب، على الرغم من أن ذلك يعتبر هدراً تربوياً، كوجود مدرسة في الحي أو المنطقة التي يسكنها الطالب، وقد يكون ذلك بسبب نقص الاعتمادات المالية، أو عدم رغبة الوزارة في فتح فصول جديدة في المدرسة… إلى غير ذلك، ولكننا في هذه العجالة سنستأنس بالأسباب التي وضعتها لبروز هذه الظاهرة، والنتائج أو التوصيات التي خرجت بها.

قسمت الباحثة عوامل التسرب إلى قسمين :

  • عوامل ذاتية: وهي عوامل تخص المتسرب نفسه، وأهمها عدم الاستعداد الطبيعي للتعلم، وعدم توفر الدافع للتعلم.
  • عوامل خارجية، وهي عوامل تحددها البيئة التي يعيش فيها المتعلم، ولا يمكنه تجاهلها وإغفال دورها، وأهمها:
  • عوامل البيئة الاجتماعية، ومنها: ظهور القيم المادية، وضعف الرقابة الأسرية، بسبب انشغال الأسرة، والهوة الثقافية، التي تسببها السرعة المذهلة في التغير التقني، والاعتماد على المربيات. والتناقض بين التربية في المنزل والتربية في المدرسة، واكتساب أساسيات عدم الثقة، والثنائية اللغوية.
  • عوامل البيئة الاقتصادية: ومنها: حاجة الأسرة المادية إلى جهود أبنائها، ومشكلات النفقات المدرسية.
  • عوامل البيئة التشريعية: مثل حرص الدول على أن يكون التعليم في المرحلة الأولى إلزامياً، ورفعه إلى مستويات أعلى كمعيار من معايير التقدم، وسن القوانين التي تلزم الطالب بدراسة هذه المرحلة، تحت طائلة العقوبة لولي أمره، في حال عدم الوفاء بما تريده هذه التشريعات، ومن هنا يؤدي عدم التعاون بين المدرسة والأجهزة التنفيذية في الدولة إلى تسرب الطلاب.
  • عوامل البيئة المدرسية: ومنها العوامل الخاصة بالمعلم، كعدم تأهيله في عمله، أو إعداده للقيام بوظيفته، مما يجعله يفتقر إلى الفعالية المطلوبة لممارسة المهنة. والعوامل الخاصة بالمبنى المدرسي، مثل كثافة الفصول، التي تجعل المدرس في حالة من الإنهاك البدني والانفعالي نتيجة التعرض المستمر لدرجات عالية من ضغوط العمل، مما يؤثر على نوعية عمله، مما يفقد الطالب المدرس القدوة. ومنها عوامل تتصل بالمنهاج والأهداف المرجوة من تدريسه، ومحتواه، وطريقة التقويم المتبعة في المدرسة.

  وفي نهاية بحثها تقدم الباحثة لنا عدداً من أساليب القضاء على ظاهرة التسرب، وتقسم هذه الأساليب إلى نوعين:

  1. الأساليب الوقائية: كالاهتمام بتربية ما قبل المدرسة، ورفع المستوى الاقتصادي للأسر محدودة الدخل، والالتزام بالتشريعات الخاصة بالتعليم في الدولة، والتعاون بين البيت والمدرسة، واستثمار إمكانية الإعلام، ووضع مناهج تركز على اكتساب المهارات واتقانها، وتقليل حجم الكتب التي تمثل هذه المناهج، وإطالة مدة العام الدراسي، وتوفير أدلة التدريس للمعلمين، وتوفير الأنشطة المتنوعة التي تتيح للطفل مزيداً من التلقائية، وانفتاح المنهاج على البيئة، وتفاعله مع مطالب نمو الطفل، والتوسع في استخدام أساليب تعليمية متطورة، وتوفير الإمكانيات اللازمة للميدان التربوي.
  2. الأساليب العلاجية: وهي أساليب تركز على التعامل مع مشكلة تسرب الطلاب كمشكلة قائمة، ومن هذه الأساليب التربية المستمرة التي تواكب العناية بالطالب إلى أن يصبح رجلاً فاعلاً في المجتمع،

والتأهيل المهني، الذي يربط الطالب بمهنة محببة إلى نفسه.

وفي النهاية لا بد من كلمة لنا حول هذه الدراسة، إذ خلطت الباحثة في استكشافها لعوامل التسرب في البيئة الإمارتية بين ما هو موجود فيها وما هو غير موجود، فعوامل البيئة الاقتصادية المسببة للتسرب غير موجودة في دولة الإمارات، فالأسرة تكاد لا تكون بحاجة إلى دخل أبنائها القصر، كما وفرت الدولة المدارس ومستلزماتها، مما يجعل المواطن في غنى عن دفع أي رسوم دراسية لابنه أو ابنته.

أما وسائل علاج الظاهرة فقد كانت على شيء من المعقولية في اعتماد الأساليب الوقائية، لكنها لم توفق في تصنيف الأساليب العلاجية، إذ أغفلت جانب مسؤولية الأجهزة التنفيذية في الحد من هذه الظاهرة، عن طريق تطبيق التشريعات والقوانين التي وضعتها السلطة التشريعية، للحد من هذه الظاهرة.

 ظاهرة تسرب الطلاب في دولة الإمارات العربية المتحدة

أولاً: مقدمة:

 اشتقت موجهات السياسة التعليمية في الدولة من عدة مصادر، منها: الدين الإسلامي، دستور الدولة وتشريعاتها، تراث الدولة وتاريخها، والواقع الاجتماعي والسكاني والاقتصادي، وسياسة الدولة وعلاقاتها، وواقع التعليم، والتحديات والطموحات المستقبلية. وتذهب جميع التشريعات التربوية في الدولة إلى أن هناك التزامات تربوية نحو المواطن، منها: التعليم حق لمواطني الدولة، وتحقيق مبدأ المساواة في الفرص التعليمية للجميع، وتحقيق مبدأ إنتاجية التعليم، وتحقيق مبدأ التكامل في جهود المؤسسات التي تعنى بالتربية والتعليم الرسمية وغير الرسمية.

وقد أثمرت مناقشات المجلس الوطني الاستشاري مع وزارة التربية والتعليم عن وضع “وثيقة تطوير التعليم الأساسي والثانوي”، وهي تتناول مجالات تحديد الطرق والاستراتيجيات المعاصرة لتطوير وإصلاح العملية التربوية بجميع أبعادها، لكن هذه الوثيقة لم تتعرض لظاهرة التسرب بشكل عميق، ولم تقترح لها حلولاً جذرية أو عملية، واعتمدت معالجات هذه الظاهرة على أوامر وقرارات تصدر عن المسؤولين في الوزارة والمناطق التعليمية ومدراء المدارس في شكل غير منظم.

هكذا بدأت هذه الظاهرة تطفو على السطح، وبدأت أعداد المتسربين ونسبهم في كل من مدارس الذكور والإناث تظهر بوضوح فداحة هذه الظاهرة وخطورتها.

ثانياً: ظاهرة التسرب: المضامين والمؤشرات في إحصائيات وزارة التربية:

أشارت وزارة التربية في إحصائياتها المختلفة على مدى خمس سنين إلى أن أهم أسباب التسرب في جميع مدارس الدولة هي ثمانية أسباب، ذكرت سبعة منها: العمل ، الزواج، المرض، الوفاة، رغبة ولي الأمر، كبر السن، والغياب المستمر، وأشارت إلى الثامنة بكلمة “أخرى”. ولذا ستتم دراسة ظاهرة التسرب بين الطلاب والطالبات من خلال هذا المنظور، ذلك أن الإحصائيات التي حصلنا عليها في هذا الإطار مبنية على ذلك. ويوضح الجدول رقم (1) أعداد التسرب في أربع سنوات متوالية في مجمل مدارس الإناث في دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد تم توزيع أعداد المتسربين وفقاً للأسباب المؤدية إلى التسرب:

 جدول رقم (1) يبين أعداد التسرب بين الطلاب في الدولة نسبة إلى أسباب التسرب(14)

السنة مجموع الطلاب العمل الزواج المرض الوفاة رغبة ولي الأمر كبر السن الغياب المستمر أخرى المجموع المتسربين  

النسبة

1998/

1999

146717 1097 2 3 48 582 68 1205 541 3546 2.4 %
1999/

2000

147130 811 ـ 10 50 749 38 1552 587 3797 2.6 %
2001 /2002 147118 829 7 11 69 656 71 1540 438 3666 2.5%
2003/

2004

134563 444 1 3 42 597 206 1521 813 3627 2,7 %
2004/

2005

127530 355 ـ 5 39 674 185 1739 563 3560 2,8 %

ويبين الجدول رقم (2) أعداد التسرب في خمس سنوات متفرقة في مجمل مدارس الإناث في دولة الإمارات العربية المتحدة.، وقد تم توزيع أعداد المتسربين وفقاً للأسباب المؤدية إلى التسرب.

جدول رقم (2) يبين أعداد التسرب بين الطالبات في الدولة نسبة إلى أسباب التسرب(15) 

السنة مجموع الطالبات العمل الزواج المرض الوفاة رغبة الأهل كبر السن الغياب المستمر أخرى مجموع المتسربين  

النسبة

1998/

1999

147257 18 407 44 37 541 28 488 231 1794 1.2 %
1999

/2000

150074 13 438 28 32 497 24 548 203 1784 1.2 %
2001 /2002 150430 16 461 21 22 554 33 535 277 1919 1.2 %
2003/

2004

140585 13 410 20 22 343 265 416 196 1730 1.2 %
2004/

2004

135487 12 330 19 20 370 153 444 179 1572 1,1 %

ثالثاً: تحليل إحصائيات التسرب في وزارة التربية والتعليم بالدولة:

أول ما يلفت النظر في الأسباب التي وضعتها وزارة التربية كعوامل لبروز ظاهرة التسرب أنها جعلت هذه العوامل بعيدة عن مسؤوليتها، مع أن جميع الدراسات من خارج الدولة ومن داخلها تركز على أن البيئة المدرسية الطاردة هي أحد العوامل المهمة في التسرب، وتتمثل هذه البيئة الطاردة في عدم وجود المعلم المؤهل، والمنهاج المناسب، والتقييم الحديث، وتكريس أساليب التدريس العقيمة في العملية التعليمية، ومع ذلك فإن إحصائيات وزارة التربية الخاصة بالتسرب تبعاً للأسباب والعومل التي أشرنا إليها هنا، تفصح عن كثير من القضايا المتعلقة بهذه الظاهرة، والنتائج المترتبة على بروزها في مدارسنا.

ومع أن هذه الإحصائيات تتعرض لظاهرة التسرب لدى الطالب المواطن وغير المواطن بشكل واضح، إلا أننا هنا سنعالجها من حيث كونها ظاهرة عامة تخص المواطن وغير المواطن من الجنسيات العربية المقيمة على أرض الدولة، لتعرضهما معا لكثير من العوامل التي تؤدي إليها، كما أن الفصل بين الطرفين في هذا الأمر نعتبره فصلاً تعسفياً، يعمل على تجزئة الظاهرة، بعيداً عن المؤشرات العامة تكوينا ونتائج.

ولذا سنقوم هنا بتحليل هذه الإحصائيات، لتوضيح هذه القضايا ومن ثم النتائج المترتبة عليها.

  1. توضح البيانات الخاصة بالعمل كعامل من عوامل التسرب أن ظاهرة عمل الطلاب والطالبات قبل إنهاء التحصيل الدراسي والحصول على شهادة الثانوية العامة في الدولة قد بدأت تتقلص فقد انخفض عدد الطلاب الذين يتركون مقاعد الدرس ليلتحقوا بالعمل من 1097 طالباً في العام الدراسي 1998/1999 إلى 355 طالباً عام 2004/2005، بنسبة 64 %، أما الطالبات فقد انخفض عددهن في الفترة نفسها من 18 طالبة إلى 12، بنسبة 33.33 %، وهو أمر له دلالات كبيرة ليس على الواقع التربوي فحسب، بل على واقع الأسرة والمجتمع ككل، ذلك أن هذا الانخفاض يعكس حالة من الاستقرار لدى الأسرة أو الابن والبنت، وأن هناك وعياً متنامياً لدى الأسرة بأهمية التعليم، وأن الطالب أصبح يجد ما يريده من كلفة نفقاته الخاصة فيما توفره له أسرته، وأنها كذلك بدأت تؤمن بالنواحي الحقوقية لأبنائها كحق التعليم، وهو الحق الذي كفلته المعاهدات والمواثيق الدولية.لكن عمالة الأطفال التي نراها ظاهرة في هذه الإحصائيات، تعمل بشكل كبير في زيادة حجم المشكلات الاجتماعية، كالانحراف وانتشار السرقات، وازدياد حالات الاعتداء على الغير، مما يشير إلى أهمية الحد من تسرب الأطفال من مدارسهم، بسبب الفساد الذي يمكن أن يصل إليه الأطفال، لانتشار الجهل والتخلف بينهم، وهذا يدعونا إلى جعل المدرسة بيئة جاذبة ومكاناً محبباً لأبنائنا.
  1. تشير البيانات الخاصة بكون الزواج عاملاً من عوامل انتشار ظاهرة التسرب من المدارس إلى أن الزواج لدى الطالبات في سني التحصيل ما قبل الجامعي، قد انخفض في السنوات نفسها من 407 طالبات إلى 330 طالبة، بنسبة 18.92 %، وأول ما تفيده هذا النسبة الضئيلة أن الزواج ما زال عنصراً فاعلاً في ظاهرة التسرب، على الرغم من تراجع عدد الطالبات المتزوجات. ولكنه يشير إلى نمو مزيد من الوعي لدى الطالبات وأسرهن بأهمية التعليم في رسم مستقبل الفتاةإن أكثر حالات التسرب بسبب الزواج هي الحالات التي تقع في المرحلة الثانوية، ففي عام 1998/1999 بلغ عدد المتسربات بسبب الزواج في المرحلة الثانوية 301 طالبة، بينما كان العدد في المرحلة الإعدادية 102 طالبة، وفي الابتدائية 4 حالات، ولذا يتعين الاهتمام بالطالبات في هذه المرحلة، ويمكن أن يترجم هذا الاهتمام إلى مساعدة أسرهن، بعقد اللقاءات مع أفرادها، وشرح مضار الزواج المبكر من الناحية التعليمية لهم. ولكن الأخطر من ذلك أن إحصائيات التسرب تشير إلى حالات زواج كثيرة، تقع بين طالبات المرحلة الإعدادية وهو أمر يثير القلق.كما يتبين للناطر في عدد الطلاب المتسربين بسبب الزواج أنه غير ذي بال، إذ لا يتجاوز عدد من تسربوا في السنوات الخمس موضوع الإحصائيات 10 طلاب، ولعل ذلك راجع إلى النظرة العامة للزواج عند الذكور في مجتمعنا الإماراتي، فقد أدت مطالب الزواج المرهقة إلى تأجيل الزواج إلى أن يتمكن الشاب من ولوج سوق العمل،  ليمتلك القدرة على تحمل مثل هذه التكاليف.
  1. ويشكل المرض كسبب من أسباب التسرب دهشة للمحلل، وهو يقارن بين عدد المتسربات والمتسربين، فبينما بلغ عدد الطالبات المتسربات في مجموع السنوات الخمس 132 طالبة، نجده عند الطلاب لا يتجاوز32 طالباً، أي بفارق نسبة تصل إلى 73 %، وهو أمر يتعين أن يلفت نظر التربويين والقائمين على الميدان التربوي، فالبيئة التي يعيش فيها الطالب هي نفسها البيئة التي تعيش فيها الطالبات، ولعل تكوين المرأة الخَلْقي هو المسؤول عن ذلك، من حيث كون الطالبة تتهيأ فيها الأسباب لتكون أماً في المستقبل، لكن لا نستبعد فرضية إدعاء المرض عند الطالبات أمام أهليهن كسبب للتسرب، مع أن هذه فرضية قد تصح وقد لا تصح.
  2. أما الوفاة كسبب من أسباب التسرب فبالرغم من أن أحداً لا يملك القدرة على الحد من هذا السبب، إلا أننا نلاحظ الفارق الكبير في أعداد المتسربين من الطلاب والطالبات، إذ بلغ عدد الطلاب المتسربين بسبب هذا العامل 248 طالباُ، بينما بلغ عدد الطالبات المتسربات 133، وذلك بفارق نسبة تصل إلى 46 %، وهو أمر يستوقف النظر، ولعل هناك عوامل تؤدي إلى ارتفاع النسبة عند الطلاب عنها عند الطالبات، منها على سبيل المثال روح المغامرة التي يتصف بها الطلاب، وتأخذ حوادث السير المؤسفة حيزاً واسعاًً من أسباب وفيات الشباب، إذ المعروف أن الشباب أكثر تهوراً في القيادة سواء كانت للسيارات أو الدراجات النارية، ولعل المراجع لحوادث السير وإحصائياتها يلمس ذلك.
  3. تمثل رغبة الأهل أو ولي الأمر في ترك الأبناء لمدارسهم وتسربهم منها حالة من ضعف الوعي التربوي والاجتماعي لدى هؤلاء الأهل، إذ إن أعداد الطلبة الذين تسربوا من المدارس لهذا السبب تكاد تشكل صدمة كبيرة لرجال التربية والفعاليات الاجتماعية، حيث إن هذا العدد يحتل المرتبة الثالثة بين أسباب التسرب، فقد بلغ العدد في صفوف الطلاب 3258 متسرباً، وفي صفوف الطالبات 2305 متسربات، بفارق 29 % بينهما.وعلى الرغم من أن العمل صنف بشكل منفرد في كونه أحد أسباب التفرغ إلا أننا من الصعب الفصل هنا بين رغبة أولياء الأمور في ترك أبنائهم المدرسة، وتشغيلهم لمساعدتهم في تحمل أعباء المعيشة، فليس هناك عاقل بين أولياء الأمور من يدعو ابنه أو ابنته لترك الدراسة بلا سبب، وإذا كان كان الترك بلا سبب، فإن ذلك يشكل مشكلة تستوجب المعالجة على الصعيد الاجتماعي.
  1. أما كبر السن كسبب من أسباب التسرب، فإن أمره يحتاج إلى نظر، فقد ارتفع عدد الطلاب المتسربين من 68 طالباً في العام الدراسي 1998/1999 إلى 185 طالبا عام 2004/ 2005، بفارق نسبة بلغت 63 %، بينما ارتفع عدد الطالبات من 28 طالبة في العام الدراسي 1998/1999 إلى 265 طالبة في العام الدراسي 2003/2005، بفارق نسبة بلغت 89 %، وهو ما يشير إلى أن خطورة هذا العامل ازدادت وتعمقت ونمت بشكل غير طبيعي، ذلك أن السنوات الأولى من عمر الدولة شهدت نسبة أعلى من الأمية، اضطرت الدولة بسببها إلى فتح أبواب التسجيل في المدارس لفئات كبيرة السن عن المعدل المطلوب نسبياً، ولكنها فيما بعد بدأت تضبط عملية قبول الطلاب في المدارس وفقاً لمعايير عمرية أكثر ثباتاً. ولعل التطور المطرد الحاصل في المجال الاجتماعي والاقتصادي في الدولة مسؤول عن ذلك، فقد ازدادت فرص العمل أمام الطلاب، وأصبح العامل المادي في الزواج أكثر يسراً بين يدي الطالبات، وقد يكون العمل والزواج معاً قد أثرا في ارتفاع نسبة المتسربين لدى الطرفين في هذا المجال.
  2. بشكل عامل الغياب المستمر في تسرب الطلاب ظاهرة منفردة بنفسها، يتعين أن توضع لها حلول عملية، ذلك أنه إذا كانت البيئات الأخرى تشكل فيها الحاجة المادية سبباً كبيراً في غياب الطلاب المستمر، وتفسح الفعاليات التجارية والصناعية مكاناً فيها لهؤلاء الطلاب المتسربين، فإن بيئة الإمارات تخلو إلى حد كبير من عوامل جذب الأطفال والقصر إلى العمل، ومن هنا نجد أن المسؤولية عن هذا الغياب هي مسؤولية مشتركة بين الأسرة والميدان التربوي والأجهزة التنفيذية في الدولة.وإذا كنا نرى أن عدد الطالبات من فئة الغياب المستمر تكاد تكون مستقرة في السنوات الخمس التي اعتمدنا عليها في دراسة ظاهرة التسرب، إذ بلغ عدد الغائبات غياباً مستمراً 488 طالبة في العام الدراسي 1998/1999، وانخفض العدد في العام الدراسي 2004/2005 إلى 444 طالبة، فإننا نشاهد ارتفاعاً ملحوظاً عند الطلاب، إذ ارتفع عدد المتسربين من 1205 عام 1998/1999 إلى 1739، بفارق نسبة بلغت 31 %.

على أن الفارق بين عدد الطلاب المتسربين وعدد الطالبات المتسربات في الفترة نفسها يشير إلى ازدياد الوعي لدى الطالبات بأهمية الجلوس على مقاعد الدراسة، فقد بلغ الفارق في نسبة الطالبات إلى الطلاب 60 % عام 1998/1999، و65 % عامي 1999/2000، و2001/2002، وبلغ 63 % عام 2003/2004 ، و74 % عام 2004/2005. ويحدث هذا الفارق في ظل زيادة عدد الطالبات اللواتي يجلسن على مقاعد الدراسة في هذه الفترة عن عدد الطلاب، ولعل في ذلك ما يشير إلى أن عدد النساء المواطنات في سوق العمل الرسمي والخاص يكاد يزيد بالتدريج عن عدد الرجال المواطنين، مما يتعين معالجة الأمر لما فيه من هدر تربوي في موضوع التربية، وهدر وظيفي في موضوع العمل

رابعاً: نتائج التحليل:

أشارت الدراسات التي تعرضنا إليها وتحليل الأسباب التي رصدتها وزارة التربية في إحصائياتها على مدار خمس سنوات إلى نتائج متشابهة:

  1. أن التسرب الذي نعني به انقطاع الطالب أو الطالبة نهائياً عن المدرسة يأخذ شكلاً واحداً، وهو عدم العودة إلى المدرسة، والاندماج في المجتمع سواء بشكل إيجابي بحصول المتسرب أو المتسربة على عمل أو وظيفة، أو بشكل سلبي، كأن ينحرف المتسرب أو المتسربة بفعل رفاق السوء أو البطالة.
  2. أن أسباب التسرب متشابهة في أغلب أرجاء الوطن العربي، وأن دراسة إماراتية واحدة لم تستطع الباحثة فيها تصنيف وضبط أسباب التسرب، فقد أجمعت الدراسات التي تعرضنا لها أن هناك أربعة مجموعات من الأسباب، هي: أسباب تعود للطالب نفسه، وأسباب تعود للأسرة، وأخرى تعود للمدرسة، ورابعة تعود للبيئة التي يعيش فيها الطالب.، وأنه ما من علاج ناجح لهذه الظاهرة إلا ويتعين أخذ هذه الأسباب جميعاً في الاعتبار، وأن أي خلل في تناولها معاً، قد يفشل العلاج بشكل كامل.
  3. أن جميع أسباب التسرب في الدولة لم يكشف عنها النقاب، في إحصائيات وزارة التربية والتعليم على مدى السنوات التي اضطلعت فيها الوزارة بالمسؤولية عن العملية التعليمية، فقد ظلت تهمل دور المدرسة السلبي في حدوث ظاهرة التسرب، مع أن جميع الدراسات التي تناولت هذه الظاهرة جعلت للمدرسة نصيب الأسد في التسبب بها.
  4. لم يتم طرح هذه الظاهرة للدراسة والمناقشة من قبل الأجهزة الحكومية في الدولة على الإطلاق، وأن الباحث ليجد عنتاً وهو يبحث عن الإحصائيات والدراسات التي تناولتها، فليس هناك من قاعدة معلوماتية مستقلة تخص الظاهرة، وأن من يتصدى لدراسة هذه الظاهرة يتعين عليه أن يبدأ دراسته لها بتوفير قاعدة معلومات عن طريق الاستبانات والدراسات الإجرائية الميدانية، فإذا ما كانت وسائله قاصرة، كانت نتائج عملة ناقصة كذلك.
  5. لم تشر أي من الدراسات التي تمت حول ظاهرة التسرب في الدولة إلى وجود قوانين أو تشريعات جزائية رادعة سواء كانت للطلبة المتسربين أو للأولياء أمورهم، باستثناء دفع غرامة مالية مقدارها 20 ديناراً بحرينياً، على كل ولي أمر يخالف إلزامية التعليم بعدم تسجيل ابنه في مدارس الدولة، ومضاعفة هذه الغرامة في حال تكرار هذه المخالفة، لكن القانون لم يشر إلى الجهة المسؤولة عن تحصيل هذه الغرامة، إذ جعلت مسؤولية مواجهة ظاهرة التسرب من المدارس من واجبات وزارة التربية والتعليم فقط، وذلك من خلال قانون إلزامية التعليم، فقد قامت الوزارة بوضع أسس لإلزام أولياء أمور الأبناء الذين بلغوا السادسة بإدخالهم المدارس، وقد يصل العقاب للمخالفين من أولياء الأمور إلى دفع غرامة مالية، لا تتجاوز عشرين ديناراً بحرينياً، ويمكن مضاعفة هذه الغرامة في حال العودة للمخالفة، ووضعت هذه القوانين آلية معينة لمتابعة من هم في سن الدراسة(16). أما في حالة الغياب المستمر، فقد أشار القانون إلى فصل الطالب الذي يثبت أن غيابه مستمر، كما يتم شطب اسم الطالبة من سجلات القيد في المدرسة إذا ثبت بأنها تزوجت، أو إذا توفي الطالب أو الطالبة، ولا يجوز إعادة قيد الطالب في المدارس النظامية إذا كان انقطاعه لأكثر من سنتين، أما إذا كان الانقطاع أقل من ذلك، فيشترط لإعادة قيده أن لا يتعدى عمره الحد الأقصى الوارد في لوائح الوزارة(17).

كما تبنت لائحة التقويم والامتحانات للمرحلة الإعدادية والثانوية الصادرة بالقرار الوزاري رقم 3112 لعام 1996، شرطين لتقدم الطالب للامتحان النهائي في آخر الفصل الدراسي، وهما: المواظبة على الدوام المدرسي، والنجاح في السلوك التربوي، وفي موضوع متابعة الطالب من قبل أسرته اكتفت اللائحة بإبلاغ نتائج الامتحان لولي أمره. كما يتم إخطار ولي الأمر خطياً بغياب ابنه، ويوجه للطالب إنذاران خطيان للغياب المتصل، وثلاثة إنذارات خطية للغياب غير المتصل في الفصل الدراسي الواحد، مع بيان ما يترتب على الغياب المتكرر(18).

هذا في الوقت الذي وضعت فيه دولة كالأردن وسوريا والسعودية قوانين تلزم الحاكم الإداري في مناطق الدولة بمتابعة الطلاب المتسربين، وقد يصل الأمر إلى إصدار أمر إداري من المحافظ أو المتصرف بإلزام ولي الأمر بدفع غرامة مالية أو سجنه.

  1. خلت الدراسات التي استعرضناها من وجود إجراءات معينة للحد من هذه الظاهرة باستثناء دراسة “التسرب الدراسي بين تلاميذ المدارس” للباحثة الإماراتية أمينة هاشم السراج، فقد قسمت هذه الإجراءات إلى وقائية وعلاجية، لكن الناظر في الإجراءات الوقائية المقترحة من قبلها يجد أن أمر التصدي لمشكلة التسرب قد يحتاج إلى وقت طويل، تتعمق فيه الظاهرة وتستشري في المجتمع المدرسي، كالاهتمام بتربية الطفل قبل المدرسة، ورفع المستوى الاقتصادي للأسرة. وجاءت الإجراءات العلاجية بعيدة عن موقف التصدي المباشر للظاهرة.

توصيات الدراسة

أولاً: الإجراءات الوقائية للحد من ظاهرة التسرب:

على قدر ما خلت الدراسات الميدانية لظاهرة التسرب في المدارس من الإشارة إلى الإجراءات التي يتوجي اتخاذها، فقد أفاضت في ذكر التوصيات، مما جعلها تتنوع، ولعل هذا التنوع مرده إلى تفاوت البيئات الدراسية التي أجريت فيها هذه الدراسات، لكن التعليم الحكومي في الوطن العربي تشده إلى بعضه بعض العوامل المشتركة، فعدد السنوات الدراسية هو نفسه في جميع هذه البلاد مع وجود اختلافات في تسمية الصفوف والمراحل الدراسية، كما أن كثيراً من الدول العربية قد أخذت نظمها التعليمية بل والمواد والكتب الدراسية من بلاد عربية جارة لها، وطبقتها في مدارسها كما هي، أو تعيش الظروف السكانية نفسها، وأخيراً فإن أغلب الدول العربية قد خضع للاستعمار الغربي، الذي تشابهت مكوناته ومظاهره، لذا كان من المهم إعطاء إجراءات التصدي للظاهرة الأولية في الدراسة والبحث، وسنقسم هذه الإجراءات وفقاً لعدد من المحاور، التي تتعلق بالظاهرة وتهتم بها، كالتالي:

  1. الإجراءات الوقائية للأجهزة الدولة:
  • قيام مجلس الوزراء بتفعيل قانون إلزامية التعليم، من خلال تضمينه آليات للرقابة والمحاسبة حول تطبيق إلزامية التعليم.
  • قيام مجلس الوزراء بوضع قانون للتعليم الموازي ، يهدف إلى إعادة المتسربين إلى المدارس، ضمن برنامج خاص يستغرق سنتين أو أكثر، يتضمن تقديم الثقافة الأكاديمية والمهني بشكل متواز ومدروس، يساعد الدارس على الالتحاق بسوق العمل بعد تخرجه.
  • قيام وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع وزارة العمل، بإنشاء وحدة خاصة بالأطفال، تعمل على حمايتهم، وتضع القوانين الرادعة لتشغيلهم فبل سن الرشد.
  • تفعيل دور “مؤسسة التنمية الأسرية” و”الاتحاد النسائي العام”: في الدولة لنشر التوعية المجتمعية في الحد من ظاهرة الزواج المبكر للفتيات، ومنع التوجه لسوق العمل بالنسبة للأولاد. ومساعدة الأسر الفقيرة مادياً لتغطية النفقات الدراسية وتوفير مستلزمات التعليم لأبنائها. ونشر الوعي وتثقيف الأسرة بقيمة التعليم وأهميته ومخاطر التسرب على أبنائهم.
  • سن قوانين رادعة، تلزم أجهزة الشرطة والمحاكم باتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من ظاهرة التسرب من المدارس، كل فيما يخصه.
  1. الإجراءات الوقائية من قبل الميدان التربوي في الدولة:
  2. تفعيل دور المرشد التربوي في مساعدة الطلبة على حل مشكلاتهم التربوية وغير التربوية، بالتعاون مع الجهاز التعليمي في المدرسة، والمجتمع المحلي، وخاصة أولياء أمور الطلبة.
  1. العدالة في التعامل وعدم التمييز بين الطلبة داخل المدرسة.
  2. منع العقاب بكل أنواعه في المدرسة (البدني والنفسي): بالرغم من أن وزارة التربية تمنع رسمياً العقاب بشتى أشكاله في المدارس كوسيلة ردع، إلا أن العقاب يمارس في المدارس من قبل الجهاز التعليمي بأشكال مختلفة. مما يتطلب وضع آليات مراقبة ومتابعة، لضمان الالتزام التام بعدم استخدام أسلوب العقاب لحل مشاكل الطلبة. حيث يعتقد كثير من المتسربين وأولياء أمورهم أن منع العقاب في المدارس يعتبر إجراءً وقائياً مؤثراً للحد من ظاهرة التسرب.
  3. توفير تعليم مهني قريب من السكن.
  4. توفير تعليم تمكيني علاجي للطالب ذي صعوبات التعلم.
  5. تفعيل قانون إلزامية التعليم في المرحلة الأساسية ووضع آليات لمتابعة وإجراءاته وتنفيذها.
  6. السماح للطلبة المتسربين بالالتحاق بالدراسة بغض النظر عن سنهم، وفق شروط محددة وميسرة، في مدارس خاصة بهم.
  7. تفعيل الأنشطة المدرسية، وتنظيمها، والاهتمام بها، من خلال إصدار قانون أو قرار يعمل على توصيفها، ويبين أهميتها، بوصفها الفعالية التربوية الأكثر إقبالاً عليها من قبل الطلاب والطالبات..

 

  1. الإجراءات الوقائية الأسرية:

يتعين أن تقوم الوزارة ومؤسسات المجتمع المدني بدور أساسي على مستوى الأسرة للحد من ظاهرة

التسرب من خلال تنظيم برامج توعية للأسرة بأهمية التعليم لأبنائهم من خلال ما يلي:

  1. إقناع الأسر بضرورة تهيئة الجو الأسري لأبنائهم من خلال توفير الوقت والمكان المناسبين للدراسة في المنزل.
  2. مشاركة الأسرة لأبنائها في حل مشاكلهم الدراسية وصعوبات التعلم في المواد الدراسية.
  3. عدم تكليف أبنائهم الطلبة بمهمات أسرية فوق طاقتهم، من خلال تفرّغهم وتوفير الوقت الكافي لهم للدراسة.
  4. تفعيل الاتصال والتواصل بين الأسرة والمدرسة لمتابعة تطور أبنائهم والوقوف على المشاكل التي يواجهونها داخل المدرسة وخارجها والمساعدة في حلها.
  5. مشاركة الأسرة بالأنشطة اللاصفية التي تنظمها المدرسة.
  6. توعية الأسرة بمخاطر الزواج المبكر لبناتهم وتفعيل القوانين التي تمنع الزواج أقل من السن المحدد، كذلك مخاطر التمييز بين أبنائهم على أساس الجنس في مجال التعليم.

ثانياً: الإجراءات العلاجية للمتسربين:

  • تعتبر مشكلة التسرب المدرسي مشكلة وطنية، تتطلب تضافر كافة الجهود لإيجاد حلول ناجعة، لحماية قسم كبير من طلابنا من آثارها السيئة، فبالإضافة إلى الدور الذي تقوم به وزارة التربية في هذا المجال. فإن المطلوب من المؤسسات الرسمية، وبالتحديد وزارة الشؤون الاجتماعية، ومن مؤسسات المجتمع المدني، أن تضع خطة عمل وطنية، لإعادة تأهيل المتسربين الذين ارتدّ معظمهم إلى الأمية من خلال ما يلي:
  • قيام مجلس الوزراء بوضع قانون للتعليم المهني والفني، يتضمن العمل على إنشاء مدارس أو مراكز مهنية، لاستيعاب الطلبة المتسربين إناثاً وذكوراً من التعليم الأكاديمي، وتقديم تسهيلات ومكافآت تشجيعية للطلبة الملتحقين بها.
  • تنويع برامج التعليم المهني لتواكب حاجات سوق العمل.
  • متابعة الخريجين من خلال توفير شكل من أشكال التواصل بينهم وبين المنتجين في سوق العمل لتسهيل توظيفهم وإعادة تأهيلهم مع الوظائف الجديدة التي يلتحقون بها.
  • تشجيع القطاع الخاص الذي يدير المراكز الثقافية على تنويع برامجه لتواكب سوق العمل مع الإشراف على هذه المراكز من حيث برامجه التأهيلية التي تقدمها، ومستواها، وطريقة أدائها ومتابعة خريجيها…الخ.
  • توسيع انتشار مراكز محو الأمية للمتسربين الذين ارتدوا إلى الأمية، وتوفير تعليم مهني يتناسب مع قدراتهم.

المراجع:

(1)  انظر موقع وكالة الأنباء الليبية على شبكة الإنترنيت العالمية: www.jamahiriyanews.com  (2)  انطر موقع جريدة الزمان على شبكة الإنترنيت العالمية: www.azzaman.com> ، مقال لها بعنوان : سياسة أسترالية مريبة ضد التعليم” في 27/7/2002.(3)  انظر موقع المشهد الإسرائيلي على شبكة الإنترنيت: www.almash-had.madarcenter.org
(4)  مقال لجريدة الرأي الأردنية منشور في 19/2/2007، على موقعها في الشبكة العالمية: www.alrai.com.(5)  انظر على الشبكة العالمية للإنترنيت الموقع: .www.undp-jordan.org(6)  اللجنة الوطنية للمرأة الأردنية، موقعها على شيكة الإنترنيت: www.jncww.jo.(7)  مقال لعاطف الروضان في 30 تشرين الأول 2004، منشور في الموقع الإلكتروني: www.ammannet.net(8)  مركز عفت الهندي للإرشاد الإلكتروني: www.ehccongine.org.(9)  انظر موقع الجامعة على شبكة النرنيت العالمية:    home.birzeit.edu www.(10)  انظر موقع جريدة الثورة السورية على شبكة الإنترنيت العالمية: thawra.alwehda.gov.sy www.(11)  انظر موقع مركز الدالي للتطوير التنموي على شبكة الإنترنيت: www.addali.net، وموقع يمن نيوز:www.newsyemen.net.

(12)انظر على صفحات شبة الإنترنيت الموقع: www.islamonline.net، وموقع وزارة التربية المصرية: www.emoe.org.(13)  انظر موقع حركة الإصلاح الإسلامي الإرتيري على شبكة الإنترنيت: www.islaher.org(14)  المجموعات الإحصائية المختلفة التي  يصدرها قسم التوثيق والإحصاء بوزارة التربية والتعليم

t

(16)  قوانين الإمارات العربية المتحدة، المجلد (16) ص: 16068 ـ 16069.

(17)  م. ن. ، ص: 16078.

(18)  لائحة التقويم والامتحانات الخاصة بالمرحلتين الإعدادية والثانوية الصادرة بموجب الرقم 3112 لسنة 1996، ص: 22. والخاصة بالمرحلة الابتدائية الصادرة بموجب القرار رقم 3111 لسنة 1996.